في الوقت الحالي باتت كل الروايات العربية تتخذ الواقع مادة خصبة لها، فلا جديد يذكر ولكن القديم يعاد، ويتم سرد كيف تتم جرائم القتل، وكيف تتم عمليات السرقة، وهذا أدى إلى جرف تلك الروايات والأعمال الأدبية والفنية إلى عوالم القاع وإلى الصدامات والصراعات التي تشوب هذا الواقع، ولكن قليلًا ما نجد رواية تمنح قارئها طاقة إيجابية على غرار رواية مملكة القلب.
مملكة القلب هي الرواية الأولى للكاتبة والأكاديمية المصرية منى زكي، ومن الممكن تصنيفُها على أنها رواية اجتماعية عاطفية رومانسية، تكشف لنا عن عمق العلاقات ودفئها بين عنصري الأمة المصرية المسيحيين والمسلمين، من خلال دراسة المجتمع ومشكلاته الرئيسية، ومن خلال التعاملات اليومية والعاطفة الرومانسية التي ربطت بين عدد من شخوص الرواية في شكل ثنائيات من أمثال المقدم عادل ومونيكا أخت زميله وصديقه المقدم يوسف، وبين شريف والدكتورة مريم، وبين نرمين والدكتور نزار، وبين ندى وشريف زوجها، وبين الطفلين يوسف وكريم
العلاقات الثنائية التي ترصدها الرواية لا تتطور إلى أبعد من الإعجاب المتبادل، والاقتناع بالتقنين الموضوع لمثل هذه العلاقات، فلا تذهب أبعد من ذلك، ولا تحاول خلق أزمات مذهبية أو صراعات دينية تقود إلى الاحتقان، وهذا يدل دلالة كبرى على أن الكاتبة على وعي تام بالرسائل الأخرى التي تحاول ضرب تلك العلاقات في صميمها عن طريق بعض الأكاذيب والافتراءات، وخلق مناخ عدائي يهدد سلامة المجتمع المصري وأمنه واستقراره
علاقات ورسائل
رواية اجتماعية عاطفية رومانسية تكشف لنا عن عمق العلاقات ودفئها بين عنصري الأمة المصرية المسيحيين والمسلمين
هناك أكثر من رسالة تسعى الرواية لتوصيلها لقارئها، بل تسعى لمحاربتها وهي الإدمان والإرهاب، وهما لا ينفصلان عن بعضهما البعض، فهما يسهمان في تشويه جسد المجتمع وعقله
الإدمان يفتت جسد المتعاطي ويتحكم في إيقاع حواسه، من خلال المشاهد التي قدمتها لنا الكاتبة أثناء حديثها عن أحوال رجل الأعمال شريف (زوج ندى) والسائق حمادة (ابن عم جميل حارس شاليه المعمورة) ومينا شقيق الدكتورة مريم الذي أدمن المخدرات في الولايات المتحدة، فقضت عليه، ولحقه الوالدان حزنا وأسفا على رحيله، فعادت مريم إلى مصر لتوهب نفسها وتكرس حياتها لخدمة الشباب الذين يريدون أن يقلعوا عن تعاطي المخدرات والإدمان
أما الإرهاب فإنه يفتت عقل المجتمع من خلال الجماعات المتأسلمة التي عندما تفشل في السيطرة على عقل الأمة وروحها، يكون العنف الجسدي والقتل والتفجير سبيلَها الأوحد لمخاطبة المجتمع، ومحاولة التأثير عليه
ومن هنا تأتي أهمية تلك الرواية التي تتعامل بشجاعة مع المتغيرات السريعة على أرض الواقع، لذا فإننا نستطيع أن نقول إنها بنت عصرها، وأنها تواكب تلك المتغيرات، وأنها مرآة لما يدور داخل المجتمع المصري في السنوات الأخيرة
تصدر لنا الرواية طاقات إيجابية رائعة تمثلت في عدة شخصيات على رأسها نرمين الأم والجَدة التي تحتضن الجميع، وتضحي بوقتها وصحتها في سبيل إسعاد الآخرين، فلم تنعزل أو تتقوقع بعد وفاة زوجها، وإنما حلَّت محله في مصنع الرخام الذي يمتلكه واستطاعت أن تربي بنتها ندى وابنها عادل أحسن تربية، وتقدمهما للمجتمع في أنصع صورة ممكنة، فالأولى مدرسة موسيقى في مدرسة خاصة استطاعت أن تحبب التلاميذ في الموسيقى والغناء والعزف على الآلات، وأن تخوض بهم المسابقات المحلية والدولية، فتحقق النجاحات المتوالية، وهي الوجه الآخر لزوجها شريف الذي كان مثالا للشباب الناجحين، ولكنه سار في طريق الإدمان وفسدت حياته وطلَّق ندى، ولكنه عاد إلى الطريق القويم عن طريق الدكتور نزار أحد الوجوه الإيجابية في الرواية، فيشفى شريف أو يتعافى من إدمانه للمخدرات ويعود إلى زوجته ندى وابنه يوسف، بعد أن عرف عاقبة الإدمان، وهي إحدى الرسائل المهمة التي تقدمها لنا الرواية كما ذكرت من قبل
أما الضابط عادل فقد ضحى بحياته من أجل مصر، واستطاعت والدته نرمين أن تزرع فيه حب الانتماء إلى الوطن والتضحية من أجله، فيحظى بالشهادة بعد أن افتدى بروحه وجسده الطفل كريم صديق يوسف ابن ندى وشريف، وابن الدكتور نزار وزوجته عهد إحدى العناصر السلبية بالرواية، ولكنها عندما عرفتْ أن الضابط عادل ضحى بحياته أثناء هجوم إحدى الجماعات الإرهابية على الأتوبيس السياحي بالغردقة الذي كان يستقله كريم، فهمت معنى الوطن وكيف يضحي أبناؤه في جهاز الشرطة من أجل حياة الآخرين، فندمت على كل ما فعلته من أفعال سلبية وهجوم شرس على ندى (مدرسة الموسيقى) ووالدتها نرمين. فالذي أنقذ ابنها كريم من موت محقق هو الضابط عادل ابن نرمين وشقيق ندى
طاقات إيجابية
وترسم لنا الرواية صورة رائعة للصداقة التي نمت وترعرعت بين الضابطين يوسف (المسيحي) وعادل (المسلم) لدرجة أنه عندما تُرزق ندى، أخت عادل، بطفل تسميه يوسف على اسم صديق أخيها، وعندما يستشهد يوسف في عملية إرهابية في سيناء يُقسم عادل بأن يأخذَ بثأر يوسف، ويقتصَّ من قاتليه، حتى لو أدَّى ذلك إلى وفاته أو استشهاده، وبالفعل يستشهد عادل ويلحق بصديق عمره يوسف
ومثلما نشأت صداقة رائعة وعلاقة أخوية متينة بين يوسف وعادل، نشأت علاقة وصداقة على شاكلتها بين الطفلين يوسف وكريم، فنشآ معًا وأصبحا…..
No comment